صحة عامة

اسباب الوسواس القهري وعلاجه

اسباب الوسواس القهري وعلاجه

الوسواس القهري

يتميّز الوسواس القهريّ بمجموعة من الأفكار غير المرغوب بها، والسلوكيات الروتينية المُتكررة التي تُشعر المُصاب بأنّه مُجبَر على القيام بها، فإذا كان أحدهم يُعاني منه فمن المحتمل إدراكه أن أفكاره الوسواسيّة وسلوكه القهريّ غير عقلانيّ فعلًا، لكن حتى مع ذلك فهو يشعر بعدم القدرة على مقاومتها والتخلّص منها.

وحسب ما يُشير إليه اسم المرض فإنّ الاضطراب يحمل جانبين؛ الأول هو الوساوس التي تتمثّل بالأفكار والرّغبات المُثيرة للقلق والتوتّر، والتي تدفع المُصاب في كثير من الأحيان إلى العادات أو الأفعال القاهرة، وهي الجانب الثاني للمرض، وهي أفعال جسديّة أو ذهنيّة للتحرّر من الشعور بذلك القلق، كترتيب الأشياء بنمط مُعيّن، وتكرار غسل اليدين.

أسباب الوسواس القهري

على الرغم من أنّ السبب الدقيق وراء اضطراب الوسواس القهري غير مفهوم تمامًا، إلا أنّ وجوده ارتبط بمجموعة من العوامل البيولوجيّة والبيئية، التي يمكن أن تكون السبب في ذلك، أو ترفع من احتماليّة الإصابة فيه، وفيما يأتي تفصيل لهذه العوامل.

العوامل البيولوجية

يتميّز الدماغ ببنية مُعقدة جدًا؛ إذ يحتوي على 100 مليار من الخلايا العصبيّة التي يجب أن تتواصل مع بعضها، وتُكمّل عملها مع بعضها لتعمل في الجسم كما يجب، ويكون هذا التواصل عبر مواد كيميائية تُسمّى بالناقلات العصبيّة، التي تُحفّز تدفق المعلومات من خلية عصبية واحدة إلى الأخرى في وقتٍ واحد. ويُعتقد أن المستويات المنخفضة من السيروتونين -إحدى النواقل العصبيّة- هي المسؤولة عن ظهور وتطوّر أعراض الوسواس القهري، كما يُرجّح العلماء أن مرض الوسواس القهريّ ينشأ عن مشكلات في مسارات الدماغ، التي تربط المجالات التي تتناول الحكم والتخطيط مع مجال آخر، الذي يُرشّح الرسائل والمعلومات المُتدفّقة التي تنطوي عليها بعض حركات الجسم، حسب ما أشارت إليه دراسة ألمانيّة حديثة، أُجريت في مارس عام 2017.

وبالإضافة إلى ذلك؛ توجد أدلّة على أنّ الوسواس القهري يمكن الإصابة به أحيانًا بالوراثة من الآباء إلى الأطفال، وهذا يعني أن العامل الجينيّ مسؤول بدرجة ما عن تطوير الوسواس القهري في بعض الأحيان، وهو ما تناولته دراسة أميركيّة نُشرت عام 2000، وتضمّنت 80 مُصابًا بالوسواس القهريّ، وتدرّجت في البحث لأفراد عائلاتهم وأقاربهم من الدرجة الأولى، لتتضمّن بالمُحصّلة 343 حالة وسواس، و300 من غير المُصابين لمُقارنة المجموعتين مع بعضها البعض.

وقد وجدت دراسة أخرى نُشرت عام 2008 وجود صلة بين نوع مُعيّن من الالتهابات الناجمة عن البكتيريا العقديّة واضطراب الوسواس القهري، وبأنّ هذه الالتهابات إذا كانت مُتكرّرة وغير مُعالجة قد تتطوّر إلى اضطراب الوسواس القهريّ وغيره من الاضطرابات لدى الأطفال.

العوامل البيئية

توجد ضغوط بيئية يمكن أن تؤثر في الشخص ممّا يرفع احتماليّة الإصابة بالوسواس القهري، إذ قد تتسبّب بعض العوامل البيئية أيضًا في تفاقم الأعراض، وتتضمّن هذه العوامل ما يأتي:

  • التغيرات في حالة المعيشة، خاصّة التي تُسبّب التوتّر الشديد مثل وفاة أحد أفراد الأسرة.
  • الإصابة ببعض الأمراض مثل؛ التهاب اللوزتين العُقديّ.
  • التعرّض لما يُعرف بإصابات الدّماغ الرضيّة TBI.

الإصابة بالاكتئاب

قد يمتلك بعض المصابين بالاكتئاب قابلية لتطوّر أعراض اضطراب الوسواس القهري أكثر من غيرهم، والعكس صحيح، إذ أنّ الذين يعانون من الوسواس القهري غالبًا ما يتطور لديهم الاكتئاب، والتعامل مع كلاهما معًا يُعدّ صعبًا من دون تدخلٍ سريريّ، ومن المعروف أن إجراء برنامجٍ علاجيّ للوسواس في حالات الاكتئاب المُتقدّمة لا يكون سهلًا أيضًا.

النظرية النفسيّة

الديناميكيّة النفسيّة Psychodynamics هي مجموعة من النظريات التي بدأت في القرن التاسع عشر، على يد سيغموند فرويد وأتباع آخرين من بعده؛ وهي تربط بين حال الفرد وصراعاته الداخليّة بين ما يُريد وما يفعل، مثل أنّ الاضطرابات في التطوّر العام أو الجنسيّ الذي يبدأ في سنّ الطفولة، بالإضافة إلى رغبات اللاوعي هي من أساسات الاضطراب القهريّ، فإن النظرية تقول أنّ الصراع بين التفكير الواعي والعقل الباطن -اللاوعي- الذي يُريد طريقته الخاصة ينجم عنه تعامل غير مُستقر من قبل الشخص، كوجود رغبة شديدة لأحدهم بفعل أمرٍ ما غير مقبول في أوساط المُجتمع، والذي يُسبّب مشكلات نفسيّة في وقت لاحق من الحياة، من أبرزها؛ أعراض الوسواس القهريّ.

علاج الوسواس القهري

تجدر الإشارة إلى أنّ الوسواس القهريّ من الأمراض التي لا يُمكن الشفاء منها، وإنّما العلاج يهدف إلى الوصول إلى حالة تتلاشى فيها الأعراض بدرجةٍ كبيرة؛ حتى لا يتعارَض المرض مع سير حياة المُصابين، كما أنّ ترك المرض دون علاج غالبًا ما يُسبّب تطوّره إلى حالة مُزمنة، يمرّ فيها المُصاب بفترات يشعر حينها أن الأعراض تخف، إلا أنّه بامتناعه عن المعالجة تكون معدلات الوصول إلى حالة مُستقرّة مُنخفضة، إذ تبلغ ما لا يتعدّى 20%، مع ذلك فإنّ حوالي 40% ممّن كانوا يُعانون من الوسواس القهريّ في مرحلة الطفولة أو المراهقة أصبحوا في حالٍ مُستقرّ قبل سنّ البلوغ المُبكر. ويعتمد علاج الوسواس القهري على مدى تأثير الحالة على الشخص وحياته وقدرته على العمل، وغالبًا ما تتضمّن العلاجات الأوليّة ما يأتي:

  • العلاج السلوكي المعرفي: يعدّ العلاج السلوكي المعرفي من الطّرق العلاجيّة التي تعتمد على الحوار والنّقاش مع المُصاب، وتبحث في العلاقة ما بين أفكاره ومشاعره وتأثيرها على أفعاله وحياته، وتعديلها في ما بعد بما يُساهم في حياة أفضل وأكثر راحةً، إذ أظهرت إحدى الأبحاث البريطانيّة الحديثة التي نُشرت في تشرين الثاني من عام 2018 وأجريت على مجموعة من المُصابين باضطراب الوسواس القهريّ ممّن تتراوح أعمارهم ما بين 18-65 عامًا أن 75% منهم ساعدهم العلاج السلوكي المعرفيّ فعلًا في التقليل من أعراض المرض. ويوجد نوعان اثنان من التقنيات المُستخدمة لذلك، وهما كما يأتي:
    • التعرض للحالات والأشياء والاعتبارات -الوهميّة في كثير من الأحيان- التي تُسبّب الخوف والقلق، وتقليلها مع مرور الوقت تدريجيًّا، وفي نهاية المطاف ومع مُتابعة الجلسات العلاجيّة فإنّ الاعتبارات الوهميّة تقل ويختفي القلق، وهذا ما يُسمّى التعوّد.
    • الاستجابة، وتشير إلى السيطرة على ردود فعل المُصابين الظاهرة كأفعال أو طقوس مُتكرّرة -أفعال قاهرة- غير مُسيطر عليها في أغلب الأحيان، والتي يُؤديها المُصاب لتخفيف الشعور بالقلق الداخليّ، والذي لا يُزيله عادةً إلا الخضوع لمثل هذه الطقوس.
  • مثبطات امتصاص السيروتونين المُحدّدة: هي من الأدوية التي وسّعت الخيارات العلاجيّة المُتاحة للوسواس القهريّ، لكن تجدر الإشارة إلى أنّ ما يقارب نصف المُصابين الذين يُعانون من هذا الاضطراب لا يستجيبون للعلاج الدوائي باستخدام هذا النوع من الأدوية وحده، مما يتطلّب غالبًا استخدام الأدوية المُضادّة للذهان. وتتضمّن مُثبّطات استرداد السيروتونين المُحدّدة عدّة أنواع، يُمكن وصفها من قِبَل الطبيب للمساعدة على إدارة أعراض المرض، ومنها:
    • كلوميبرامين، ويُصرف للبالغين والأطفال فوق عمر 10 سنوات.
    • فلوكستين، ويُصرف للبالغين والأطفال فوق عمر 7 سنوات.
    • فلوفوكسامين، ويُعطَى للبالغين والأطفال فوق عمر 8 سنوات.
    • باروكسيتين هيدروكلوريد، ويُعطى للبالغين فقط.
    • سيرترالين، ويُعطى للبالغين والأطفال فوق عمر 6 سنوات.
    • سيتالوبرام.
    • إسيتالوبرام.

كما يمكن المزج بين العلاج السلوكي المعرفي ومُثبطات امتصاص السيروتونين.

  • تعديل أسلوب الحياة والعلاجات المنزليّة: ذلك لأن اضطراب الوسواس القهري حالة مزمنة، مما يعني أنه جزء دائم من الحياة، وتوصف أدوية الوسواس القهري من قبل الطبيب أو الأخصائيّ النفسيّ، كما يمكن اتباع بعض الإجراءات بالاعتماد على خطة العلاج الخاصّة بالمُصاب، وتتضمّن الآتي:
    • أخذ الأدوية الموصوفة وفق توجيهات الطبيب، حتى عند الشعور بالتحسّن وزوال الأعراض بعد فترة زمنيّة معينة فإنه يجب مُتابعة تناول العلاجات الخاصّة، وفي حال التوقّف عن استخدامها من المُرجّح أن تعود أعراض الوسواس القهري.
    • الانتباه إلى العلامات التحذيريّة التي قد تحفّز أعراض المرض، وذلك بوضع خطة لمعرفة ما يلزم القيام به إذا ظهرت الأعراض مرةً أخرى، والاتصال بالطبيب أو المعالِج المُشرف على المُصاب في حال ملاحظة أيّ تغيرات في الأعراض أو الشعور.
    • التحقق قبل تناول أيّ أدوية أخرى، وإعلام الطبيب المُتابع لحالة المُصاب قبل تناول الأدوية الموصوفة من قِبَل طبيب آخر، أو قبل تناول أيّ أدوية دون وصفة طبية، أو حتى في حال استخدام أيّ فيتامينات أو علاجات عشبيّة أو مُكمّلات غذائيّة أخرى؛ لتجنب التفاعلات المُحتملة أو أيّ تداخلات دوائيّة.
    • حثّ المُصاب على مُمارسة ما يتعلّمه مع أخصائي الصحة النفسيّة المُشرف على حالته، والالتزام بما يتعلّمه منه بانتظام؛ لتحديد التقنيات والمهارات التي تُساعد على إدارة الأعراض.

أعراض الوسواس القهري

أكثر ما يُميّز أعراض الوسواس القهريّ هو تعارضها مع مُمارسة الفرد لأنشطة حياته اليوميّة، وتسبّبها بالشعور بعدم الراحة والقلق بكثرة، وعادةً ما يمرّ المريض بنوعين من هذه الأعراض، إلا أنّ ذلك لا ينفي أن يُعاني من نوع واحد منها، وهما كالآتي:

  • الوساوس: هي الأفكار التي تسبب الشعور بالقلق والتوتّر، مثل: الخوف من فقدان السيطرة، والخوف من الجراثيم والأوساخ، والرّغبة بترتيب الأشياء بطريقة مُعيّنة ووفق نظام مُحدّد، والاهتمام المُفرط بما يرمز للحظّ الجيّد أو الحظّ السيء.
  • الأفعال القهرية: التي عادةً ما تكون تطبيقًا ناتجًا عن الوساوس، ولا يُهدئ من قلق المُصاب إلا أن يفعلها، مثل: تكرار تنظيف الجسم أو اليدين لفترة زمنيّة طويلة نوعًا ما، وترتيب الأشياء بنمط مُعيّن حتّى وإن لم يكن ترتيبها أمرًا مُهمًّا، وتفقّد أقفال الأبواب ومفاتيح الكهرباء أكثر من مرّة، أو حتّى تكرار قول بعض الجُمل والكلمات علنًا أو سرًّا في ذهن المُصاب.

العلاقة بين الحياة والوسواس القهري

يبدو أنّ وجود قابليّة للبعض للإصابة بالوسواس تؤدي دورًا كبيرًا في هذا الاضطراب، وهو الحال لدى الأشخاص الذين يرثون التصّرف تجاه مشكلات اضطراب الوسواس القهري، أو يتعلّمون الشعور بالقلق والذنب من الآباء والأمهات أو من أيّ أشخاص آخرين في حياتهم، لاسيّما لدى الأعمار الصغيرة، وهو ما يجعل بعض الناس بميل وقابلية أكبر نحو الغضب مثلًا مُقارنًة بغيرهم، لذا فالمُحيط والمُقرّبون من الأفراد قد يُساهمون فعلًا في تحفيز ظهور المرض. ويمكن القول إن الشعور بالذنب وبالمسؤولية المُفرِطة لدى الناس، بالإضافة إلى العديد من العوامل المذكورة أعلاه -بما في ذلك التأثيرات البيولوجيّة والعصبية والبيئيّة والطريقة التي يُفكّر فيها الأشخاص جميعها معًا تُشكّل سبب الوسواس.

السابق
علاج نتف الرموش
التالي
بحث عن اضطراب القلق

اترك تعليقاً