صحة عامة

مرض الوهم النفسي

مرض الوهم النفسي

مرض الوهم النفسي

تزخر المُسلسلات والأفلام السينمائيّة بالعديد من القصص والروايات حول أفراد يُعانون من الوهم (Delusion)، ممّن يؤمنون بوجود أحداث غير حقيقيّة، أو يتوهّمون أفكارًا لا تمتّ بصِلَةٍ للواقع، وقد يكون بعض هذه الأوهام خطيرة للغاية، يمسّ سلامة الفرد أو من حوله، وقد يكون ما يتوهّمه أمرًا من مُجريات وأمور الحياة العاديّة؛ كاعتقاد المُصاب أنّ هناك من يتجسّس عليه، وجميع ذلك يكون دون وجود أدلّة منطقيّة أو عقليّة على ما يدّعيه المُصابون، ودون وجود أيّ بوادر أو علامات على اقتناع المُصابين بكونه وهمًا.

ولأن مثل هذه الأفكار قد تدور في ذهن أي أحد عند التعرّض للضغوطات أو مواجهة بعض المواقف الصّعبة، فإنّ تشخيص كون أحدهم يُعاني من اضطراب الوهم أو مرض الوهم النفسيّ (Delusional disorder) يتطلّب وجود وهم واحد أو أكثر لفترة زمنيّة لا تقلّ عن شهر متواصل، ولذا فهو في الحقيقة من الاضطرابات النادرة التي تستهدف 0.2% فقط من الناس، فكيف يُعالج؟ وما هو سبب الإصابة به؟

أنواع الوهم في مرض الوهم النفسي

باعتبار أنّ مرض الوهم النفسيّ ينطوي على أفكار ومُعتقدات غير حقيقيّة أو وافعيّة؛ فهو يتضمّن عدّة أنواع من الأفكار والمُعتقدات التي قد يُفكّر بها المُصابون به، ولأجل ذلك فهناك عدّة أنواع للوهم عند الإصابة به، ويتضمّن ذلك كُلًّا ممّا يأتي:

  • وهم العظَمة، الذي يعتقد فيه المُصاب يقينًا أنه يمتلك موهبة عظيمة أو قوّة خارقة، أو أنه من الأثرياء أو العُلماء أو الأشخاص شديديّ الأهميّة.
  • وهم العشق، ويظنّ فيه المُصاب أن إحدى الشخصيات المشهورة أو المهمّة مُغرمة به، بالتزامن مع قيامه بالعديد من التصرفات والأعمال بالاعتماد على هذا الوهم؛ كمُحاولة مُطاردة تلك الشخصيّة والتواصل معها.
  • وهم الغيرة، وهو شكّ المُصاب بعدم وفاء شريكه له، أو اعتقاده بأنه يخونه في غيابه، دون وجود أيّ أدلّة أو تفسيرات لإثبات صحّة ذلك.
  • الوهم الجسديّ، وهي الأوهام التي تتعلق بوجود أمراض واضطرابات صحيّة لدى المُصاب، أو مُعاناة من عيب جسديّ مُعيّن.
  • وهم الاضطهاد، إذ يعتقد فيه المُصاب بوجود من ينوي إيقاع الأذى به أو بأحد المُقرّبين إليه، أو أنّ هناك من يتعقبّه أو يتجسّس عليه، أو يتوهّم وجود من يُسيء مُعاملته، وهو ما يدفع المُصابين في كثير من الأحيان لتقديم بلاغات أمنيّة وشكاوى مُتكرّرة للشرطة والسلطات القانونيّة.
  • الوهم المُختلِط، وهو مُعاناة المُصاب من وجود نوعين أو أكثر من الأوهام السابق ذكرها.

أسباب وعامل خطر الإصابة بمرض الوهم النفسي

ما زالت أسباب الإصابة الرئيسة بمرض الوهم النفسيّ غير مُحدّدة أو معروفة تمامًا حتى الآن، إلّا إن هناك عوامل مُؤثّرة ترفع احتمالية إصابة البعض به أكثر من غيرهم، ويُذكر من هذه العوامل ما يأتي:

  • اختلالات بيولوجيّة جسديّة، إذ يُعتقد بوجود مناطق مُعيّنة في دماغ الإنسان مسؤولة عن التفكير المنطقيّ وتحليل الأمور، وربّما كان وجود مشاكل في هذه المناطق هو أحد أسباب الإصابة بالمرض.
  • عوامل بيئيّة أو نفسيّة، وهي تتضمّن ظروف مُعيّنة يعيش بها بعض الأفراد، يُذكر منها:
    • كثرة الضغوطات والتوتّر الذي يواجهه البعض في حياتهم.
    • الأفراد الأقلّ انسجامًا وتفاعلًا في المجتمع، ومن يعيشون في عُزلة لأسباب مُختلفة؛ كالمُغتربين، ومن يُعانون من مشاكل في السمع أو في الرؤية.
    • تعاطي الفرد للمشروبات الكحوليّة أو إحدى الموادّ المُخدّرة والممنوعات.
  • العوامل الوراثيّة، إذ قد ترتفع احتماليّة إصابة الأفراد الذين يُعاني أحد والديهم من مرض الوهم النفسيّ، أو الشيزوفرينيا (الفصام).

تشخيص مرض الوهم النفسي

تعتمد خطوة تشخيص الإصابة بمرض الوهم النفسيّ اعتمادًا كبيرًا على تقييم الطبيب لحالة المُصاب، إذ ليس هنالك من فحوصات مخبريّة تُثبت إصابة أحدهم بهذا المرض أو تنفيه، ولأجل ذلك يعتمد التشخيص على الخطوات الآتية:

  • تحديد التاريخ المرضيّ بالكامل للمُصاب.
  • الفحص الجسديّ للمُصاب.
  • إجراء بعض الصور وتحاليل الدم؛ لاستثناء أن تكون الأعراض التي يُعاني منها المُصاب ناجمًة عن اضطرابات أو مشاكل صحيّة (عدا مرض الوهم النفسيّ) قد تتسبّب برؤيته للأوهام، مثل:
    • تعاطي الموادّ المُخدّرة أو الممنوعة.
    • الإصابة بأحد اضطرابات طيف الشيزوفرينيا المُختلفة.
    • الإصابة بالزهايمر.
    • الإصابة بالصرع.
    • المُعاناة من اضطراب وسواسيّ قهريّ.
    • الإصابة بالهذيان.

علاج مرض الوهم النفسي

تهدف الخيارات العلاجيّة المُتوفرّة في علاج مرض الوهم النفسيّ إلى إقامة علاقة قويّة مبنيّة على الثقة المُتبادلة ما بين المُصاب وطبيبه النفسيّ، وعادًة ما يتطلّب التعامل مع المرض اللجوء للعلاج النفسيّ والدوائيّ في ذات الوقت، وإقرار ذلك راجع لتشخيص الطبيب وتقييمه لحالة كُلّ مُصاب على حدا، وفيما يأتي توضيح لهذه العلاجات بالتفصيل:

  • العلاج النفسيّ، وهو الخيار الرئيس وخطّ العلاج الأول في التعامل مع المُصابين بمرض الوهم النفسيّ، إذ يهدف لتصحيح الأعراض السلوكيّة والنفسيّة الناجمة عن المرض، عن طريق الآتي:
    • العلاج النفسيّ الفرديّ، الذي يُساعد المُصاب على تحديد الأفكار التي تُوصله للأوهام، وتعلُّم كيفيّة تنظيمها والتعامل معها لتجنّبها.
    • العلاج بصُحبة عائلة المُصاب، إذ يُبيّن ذلك مُساندتهم له ودعمهم لتقدّمه في الخطّة العلاجيّة.
    • العلاج السلوكيّ المعرفيّ (CBT)، الذي يهدف لتغيير طريقة تفاعل المُصاب مع أفكاره ومُعتقداته.
  • العلاج الدوائيّ، وعلى الرغم من عدم وجود إثباتات ودراسات كافية على فعاليّة الأدوية في السيطرة على أعراض مرض الوهم النفسيّ؛ إلا أنّها تُصرف من قبل الأطباء لكثير من المُصابين، بالتزامن مع العلاج النفسيّ، وتتضمّن الأدوية المُستخدمة ما يأتي:
    • مُضادات الذّهان النمطيّة المُستخدمة منذ زمنٍ طويل في التعامل مع العديد من الاضطرابات والأمراض النفسيّة، وتقتضي آلية عملها بإغلاق مُستقبلات مادّة الدوبامين، التي يُعتقد بوجود ارتباط بينه وبين ظهور الأوهام لدى المُصابين، ومن أهمّ أنواعها دواء الكلوربرومازين، والهالوبيريدول، والفلوفينازين، والثيوريدازين، والثيوثيكسين، وغيرهم.
    • مُضادات الذّهان الجديدة التي تتميّز بعملها الثنائيّ على إغلاق مُستقبلات الدوبامين ومادّة السيروتونين أيضًا، التي يُعتقد بوجود رابط بينها وبين مرض الوهم النفسيّ، ومن أهمّ هذه الأدوية الريسبيريدون، والكلوزابين، والأولانزابين، وغيرهم.
    • مُهدّئات الأعصاب التي قد تُصرف لبعض الحالات التي يعاني فيها الأشخاص من مشاكل في النوم، أو يشعرون بالقلق المُفرط المُصاحب للمرض.
    • مُضادات الاكتئاب، في حال كان المُصاب يُعاني من الاكتئاب بالتزامن مع إصابته بمرض الوهم النفسيّ.
السابق
أعراض الرهاب الاجتماعي
التالي
كيف اتعامل مع اطفالي بدون عصبية

اترك تعليقاً