صحة عامة

مرض تعدد الشخصيات

مرض تعدد الشخصيات

مرض تعدد الشخصيات

هل سبق وتخيّلت وجود عدّة شخصيات مُتفرّدة للغاية داخل فردٍ واحد؟ ذلك حقيقيّ جدًا في الواقع، وهو يحدث نتيجة اضطراب نفسيّ يفقد فيه الشخص القُدرة على مواصلة الأفكار والمشاعر والأحداث، ويمنع ارتباطه لمدّة زمنيّة مُعيّنة بما يدور معه ومِن حوله، ويُعرَف بمرض تعدّد الشخصيات، أو اضطراب الهوية التفارقيّ (Dissociative identity disorder DID)، الذي يرجّح أنّه نتاج تعرّض المُصابين للضغوطات والصدمات العنيفة عند الصغر، وعادًة ما تبرز أعراضه لديهم عند مواجهتهم للظروف الصّعبة وتعرّضهم للضغوطات أيضًا، ما يفصلهم بشكلٍ لا إراديًّ عن أحداث الواقع، بدرجة تؤثّر في سير حياتهم وأعمالهم اليوميّة.

ولحُسن الحظّ؛ فإنّ مرض تعدّد الشخصيات من الاضطرابات النفسيّة النادرة، إذ إنّ نسبة الإصابة به لا تتجاوز 1% من مجموع السكّان، فما هي أعراضه بالضبط؟ وكيف يُمكن السيطرة عليه وعلاجه؟ وهل من المُمكن أنّ يتزامن وجوده مع اضطرابات وأمراض نفسيّة أُخرى؟

أعراض مرض تعدد الشخصيات

أكثر ما يُميّز مرض تعدّد الشخصيّات هو وجود شخصيّات أو هويّات مُتعدّدة للمُصاب؛ شخصيّته الأساسيّة الرئيسة وشخصيّة أُخرى واحدة على الأقل، ومن المُثير أنّ هذه الشخصيات شديدة التميّز والاختلاف عن بعضها البعض، إذ قد تختلف في الصفّات والعُمر والجنس وطريقة العمل والتفكير، ففي حين أنّ إحداها قد تتّسم بالحياء والخجل؛ تكون الأخرى شديدًة وصارِمة، حتى أن بعضها قد يمتلك أمراضًا بأعراض وعلامات وتحتاج ضرورة علاجيّة لا توجد لدى الهويات الأخرى، وفي مُعظم الأحيان فإنّ الانتقال ما بين الشخصيّة الرئيسة وهذه الشخصيات يحدث عند التعرّض لموقف يبعث على التوتّر أو عدم الراحة النفسيّة، ما يُعرّض المُصاب للكثير من المشاكل في حياته. وبالإضافة لذلك؛ فأنّ هناك أعراض أُخرى تظهر على المُصابين بهذا المرض، ويُذكر من أبرزها ما يأتي:

  • الانسحاب من الواقع والشّعور بكون المُصاب مُنفصلًا عمّا يُحيط به من أحداث وأشخاص.
  • شعور المُصاب بالانفصال عن ذاته وجسده وما لديه من أفكار.
  • تقلّبات مزاجيّة حادّة، والشعور بالاكتئاب.
  • تقلّبات في مستوى وطاقة العمل، ما بين أن تكون بأعلى مستويات الإنتاج إلى أقلّها والشعور بالتشويش والاضطراب.
  • تقلّبات في الشهيّة والرغبة في تناول الطعام، واضطرابات في النوم.
  • مشاكل في الوظائف الجنسيّة المُختلفة.
  • آلام شديدة في مُختلف الجسم، وصُداع حادّ.
  • فُقدان للذاكرة، وعدم الشعور بالوقت، وهو ما يحصل عند الانتقال من شخصيّة لأُخرى، فعادًة ما ينسى المُصاب جميع ما يحدث معه وقت وجود الشخصيات الأُخرى عند عودته لشخصيّته الرئيسة.
  • المُعاناة من هَلاوِس سمَعيّة وبَصريّة.
  • تعاطي الموادّ الممنوعة والمخدّرات.
  • مُحاولة إيذاء النفس بطرق مُتعدّدة.
  • الانتحار، وهو أكثر ما يجب التحذير منه لعائلات المُصابين، إذ إن 70% منهم حاولوا الانتحار.

أسباب مرض تعدد الشخصيات

يُمكن القول بأنّ مرض تعدّد الشخصيات هي وسيلة العقل للهروب من الأوضاع المُحيطة، بعد تعرّض الفرد لسلسلة من العوامل النفسيّة الصعبة المتواصلة لفتراتٍ طويلةٍ؛ كالمشاكل الأُسريّة، أو إهمال المشاعر والأحاسيس من قِبَل الأهل، أو عند التواجد في البيئات حيث ينعدم الشعور بالأمان، أو نتيجة التعرّض لعُنف جسديّ، أو التعرّض للتحرّش وللاعتداء الجنسيّ، وأكثر الفئات العُمريّة تأثرًا بمثل هذه العوامل هم الأطفال بعمرٍ أقل من 6 سنوات؛ لأنّ مثل هذه الظروف تُعيق تطوّر شخصيّتهم ونموّها الطبيعيّ كما يجب، ولا يُستهان بتأثير هذه الظروف إذ إنّ 99% من المُصابين بمرض تعدّد الشخصيات وُجد أنهم عانوا من واحد أو أكثر من مثل تلك الظروف في حياتهم.

تشخيص مرض تعدد الشخصيات

يقتضي تشخيص الإصابة بمرض تعدّد الشخصيات تحديد الأعراض التي يُعاني منها المُصاب بالضبط، واستثناء ارتباطها باضطرابات أو مشاكل صحيّة أو جسديّة ما، ولأجل ذلك يُجري الطبيب كُلًّا من الفحوصات والإجراءات الآتية:

  • فحص جسديّ كامل، وتحديد تاريخ المُصاب المرضيّ، والأعراض التي يُعاني منها، بالإضافة لإجراء الفحوصات اللازمة التي تنفي ارتباط الأعراض بإصابات الرأس، أو بالتسمّم بإحدى المواد، أو الإصابة بأمراض مُعيّنة في الدماغ، والتي قد تكون سببًا في عدم الشعور بالواقع وفُقدان الذاكرة في بعض الأحيان.
  • تقييم نفسيّ، يُجريه الطبيب أو المُعالج النفسيّ المسؤول، إذ يسأل فيه المُصاب عن أفكاره ومشاعره وما يحدث معه بالضبط عند حدوث الأعراض، بالإضافة للمعلومات والمُلاحظات التي تزوّد بها عائلة المُصاب الطبيب.
  • اتّباع معايير التشخيص وفق الدليل الطبيّ والإحصائيّ للأمراض النفسيّة (DSM-5)، وهي كالآتي:
    • مُلاحظة وجود أكثر من شخصيّة مُستقلّة ومُختلفة لدى المُصاب، سواء كانت المُلاحظة من قبل المُصاب نفسه أو من قبل الآخرين من حوله.
    • عدم ارتباط الأعراض بأيّ مشاكل صحيّة، أو كونها نتيجة تعاطي الموادّ الممنوعة أو المشروبات الكحوليّة، وفي حال كان المُصاب طفلًا يجب التأكّد من عدم كون هذه الأعراض من ضمن بعض الألعاب التخيّليّة التي يقوم بها الأطفال عادًة.
    • تسبّب هذه الأعراض بمشاكل لدى المُصاب أثناء العمل، أو في علاقاته الاجتماعيّة وجوانب الحياة المُختلفة.
    • المُعاناة من الشرود أو عدم تذكّر أحداث مُهمّة كلّ يوم، بشكل يفوق النسيان الطبيعيّ الذي يتعرّض له الأفراد عادًة.

علاج مرض تعدد الشخصيات

يُحدّد الطبيب الخطّة العلاجيّة المُناسبة في التعامل مع المُصابين بمرض تعدّد الشخصيات كُلٌّ على حدة، إذ ليس هنالك من علاج لهذا المرض، وليس من إرشادات أو تعليمات ثابتة في التعامل مع جميع الحالات، ولأجل ذلك تتفاوت الخيارات العلاجيّة وتتعدّد ما بين مُصاب وآخر، وتتضمّن الآتي:

  • جلسات العلاج النفسيّ، التي تُساعد المُصاب على التعرّف على جميع الشخصيات الموجودة لديه، ودمجها مع بعضها البعض، مع مُحاولة السيطرة والتحكّم بجميع المُحفّزات المُرتبطة بظهورهم والانتقال ما بينهم، وعادًة ما تتطلّب هذه الجلسات مُساعدة أفراد العائلة ودعمهم.
  • العلاج الإيحائيّ، الذي يُعرَف بالتنويم المغناطيسيّ، وهو يُساعد الطبيب على الولوج لذاكرة المُصاب وأفكاره، والتعامل مع الأحداث الصعبة والصدمات، بما يُساهم في تخطّيها والسيطرة عليها لدمج الشخصيات لهوية واحدة ثابتة.
  • صرف الأدوية المُناسبة؛ لعلاج الاكتئاب أو تعاطي الممنوعات، في حال تواجدها كمُضاعفات للمرض لدى المُصاب.

أمراض ترتبط بمرض تعدد الشخصيات

للأسف؛ فقد تتزامن الإصابة بمرض تعدّد الشخصيات مع الإصابة بأمراض واضطرابات نفسيّة أُخرى، مثل:

  • الاكتئاب.
  • اضطرابات النوم.
  • القلق، ونوبات الهلع، وأنواع الفوبيا المُختلفة.
  • اضطرابات الأكل.
  • اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD).
السابق
علاج مرض الهوس النفسي
التالي
العلاج السلوكي لمرض التوحد

اترك تعليقاً