صحة عامة

متلازمة ستوكهولم

متلازمة ستوكهولم

متلازمة ستوكهولم

تُعدّ متلازمة ستوكهولم من أكثر الحالات النفسيّة الغريبة التي تظهر في بعض حالات الأشخاص من ضحايا الإساءة والاعتداء والتسلّط، أو ممن يتعرّضون للاختطاف والأسر، فبعد ابتعاد الشخص المُسيء أو المعتدي في أحد الأيام، فإنّ بعض الضحايا المصابين يحاولون إعادة التواصل مع الشخص الجاني، أو حتّى في أثناء وجودهم معه خلال مدة الأسر أو الاختطاف فإنّهم يكوّنون معه علاقات أو مشاعر تعاطف، حتّى أنّ بعضهم قد يكره تدخّل الجهات القانونيّة في عقابه نتيجة أعماله.

وعلى الرغم من غرابة الأمر، غير أنّ علماء النفس يرونه منطقيًا، بل وقد يُشجّعون لتقمّص بعض من أعراض هذه المُتلازمة لضمان نجاتهم وتجاوزهم المواقف الخطيرة، إذ يُفسّرونها بأنّها إحدى آليات الجسم الدّفاعيّة للحفاظ على الحياة Survival Mechanism.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الدّراسات التي شملت ضحايا الاختطاف قليلة للغاية؛ نظرًا للدواعي الأخلاقيّة التي تتنافى مع استجوابهم في مثل ظروفهم الصعبة، غير أنّ الدليل التشخيصي والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة DSM لم يُضمّنه في الاضطرابات أو الأمراض النفسيّة والعقليّة.

نشأة متلازمة ستوكهولم

ارتبط اسم المُتلازمة بمدينة ستوكهولم؛ نظرًا لأنّ أوّل ظهور ملاحظ لهذه المتلازمة حدث في مدينة ستوكهولم في السويد، إذ إنّه في أغسطس من عام 1973 حاول شخصان مُسلّحان السطو على بنك واحتجزا أربع رهائن في قبوه لمدّة 6 أيام متواصلة، ورغم ما تعرّضوا له من تهديد وخوف غير أنّهم بشكل ما تعاطفوا مع مُحتجزيهم ووثقوا بهم، حتّى أنّ أحدًا منهم أبدى شعوره الكامل بالأمان خلال تلك الأيام، وإنّما ربط خوفه في حال تدخّلت الشرطة بعنف لإنقاذهم، حسب ما قاله في اتصال هاتفيّ مع رئيس وزراء السويد.

وما أثار غرابة الناس هو ما حصل بعد ذلك، فبعد تدخّل الشرطة والقبض على الخاطفين وإنقاذ الموقف بدأ الرهائن بالتصرّف بشكل غريب، رغم الخوف وسوء المُعاملة التي تعرّضوا لها خلال وقت احتجازهم، إذ رفضوا الإدلاء بأيّ شهادات ضدّ الخاطفين، حتّى أنّهم أنفسهم أشرفوا على جمع التبرّعات للخاطفين بما يُغطّي نفقات المحكمة للدفاع عنهم ومُساعدتهم، كما أنّ علاقة وثيقة نشأت بين أحد الخاطفين وأحد الرهائن وعائلته في ما بعد.

ضحايا متلازمة ستوكهولم

على الرغم من ارتباط متلازمة ستوكهولم بحالات الاختطاف والرهائن عند معرفتها في أوّل عهدها، غير أنّها تستهدف حالات أخرى غير المُختطَفين، ويتضمّن ذلك الحالات الآتية:

  • الأطفال الذين تعرّضوا للإساءة أو الاعتداء، يبدو ذلك من خلال تصرّف الأطفال المُطيع للمُسيئين بحقّهم؛ لحماية أنفسهم من تهديدهم أو تكرار أذيّتهم، كما أنّ بعض من يُسيؤون للأطفال قد يعاملونهم ببعض اللطف أحيانًا، مما يظهر للطفل بمنزلة شعور حقيقيّ فتبدو عليه أعراض المتلازمة.
  • الإساءات العاطفيّة أو الجسديّة أو الجنسيّة، إذ تناولت هذا الموضوع إحدى الدراسات الأستراليّة التي أُجريت عام 2007، وشملت مجموعة من المراجعات للمعلومات والأبحاث السابقة ممّن تضمّنت ردود فعل الزواحف والثديّات؛ كالقرود والشمبانزي، بالبحث في ردود فعلها على الظروف الصعبة، ووُجِد أنّها قد تُبدي التعاطف والمطاوعة للمسيء لها، وقد ربط الباحثون ذلك بأنّها من استراتيجيّات البقاء التي تتبعها الكائنات الحيّة للحفاظ على حياتها.
  • الأشخاص الذين تعرّضوا لعلاقات تسلط واضطهاد سيئة، إذ تضمّنت إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرِت في أيلول من عام 2018، تأثير المُدرّبين الرياضيّين ممن يُعنّفون اللاعبين أو يعاملونهم بقسوة مفرطة، ووُجِدَ أنّ العديد من اللاعبين قد يقفون في صفّ المُدرّبين ويساندون أفعالهم القاسية؛ بدعوى أنّها من أجل مصلحتهم ولتحسين قدراتهم.
  • الأشخاص الذين يتبعون طوائف دينية مُتطرّفة.
  • الأشخاص الذين وقعوا ضحية تجارة البشر، التي يمتنع فيها المُتضرّرون عن الشكوى على المُعتدين خوفًا من انتقامهم، أو فقدهم الحماية التي قد يوفّرها المعتدون لهم.

أعراض الإصابة بمتلازمة ستوكهولم

عند إصابة أيّ شخص بأيّ متلازمة أو مرض ما تظهر على المريض أعراض وسلوكيات تدلّ على إصابته، لكن ليست هناك قائمة متكاملة لأعراض هذا المرض؛ كـالأمراض النفسيّة، ذلك نتيجة اختلاف آراء العلماء والاختصاصيين في هذا الأمر، غير أنّ هناك بعض الأعراض التي تظهر في حالات الإصابة جميعها، ومن ضمنها:

  • إحساس الضحية بمشاعر إيجابيّة تجاه الشخص المعتدي.
  • شعور الضحية بمشاعر سلبيّة تجاه العائلة أو الأصدقاء أو أيّ شخص يُحاول الإنقاذ أو المُساعدة.
  • مساندة وتأييد تصرفات وتفكير الشخص المُعتدي.
  • التصرّف بما قد يساند المُعتدي.
  • بدء اعتقاد الضحية بأنّ هناك ترابطًا في الأفكار والآراء والأهداف.
  • عدم تعاونه بأي طريقة قد تساهم في إنقاذه أو تُلغي هذا الارتباط مع الشخص الجاني.

كما قد تظهر على المصاب أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يُعدّ من الاضطرابات العقليّة المرتبطة بتعرّض الشخص لأحداث أو ظروف صعبة، أو صدمات عاطفيّة، أو إساءات مُختلفة، وتتمثّل أعراضه في ما يأتي:

  • صعوبة في النوم والتركيز.
  • التهيّج، وسرعة الغضب.
  • اضطرابات في الذاكرة.
  • صعوبة في الحفاظ على العلاقات الاجتماعيّة، والشعور العام بالانعزال عن الآخرين.
  • تجنّب الأماكن والأشخاص وما يُذكّر المُصاب بما حدث معه خلال الصدمة أو الظرف الصعب.
  • فقد الثقة بالنفس والآخرين.
  • فقد الأمل بالمُستقبل، وما فيه من أحداث وتطوّرات.
  • انعدام الرغبة والمُتعة في ممارسة ما اعتاد المُصاب أن يستمتع بأدائه.
  • مراودة المصاب للكوابيس والأحلام المُزعجة.
  • الشعور بـالقلق والارتباك.

متلازمة ليما

توجد حالة مرضيّة بنمط مُتلازمة ستوكهولم الغريب والنادر نفسه، وهي متلازمة ليما، التي تُعدّ الظاهرة النفسيّة المُناقضة لمُتلازمة ستوكهولم، إذ يُظهر المُعتدِي أو المُختطِف روابط مُعيّنة ويشعر بالشفقة والتعاطف تجاه الضحايا، ويُنسَب اسمها إلى أوّل مرّة لوحظت فيها عام 1996، عندما دخل مجموعة من الإرهابيين إلى مقرّ السفارة اليابانيّة في مدينة ليما في البيرو، وأظهر الخاطف تعاطفًا مع المخطوفين، إذ أُطلِق سراحهم جميعهم بعد مرور عدّة أيام أمام تعجّب واستغراب العالم. ومن أبرز ما يظهر على المصابين من أعراض كلٌّ ممّا يأتي:

  • قد يدخل المُختطِف في حوارات أو نقاشات مع الضحية.
  • تجنّب إيذاء الضحية.
  • يتشارك معلومات شخصيّة عنه مع الضحية؛ كأهدافه، وقصص عن طفولته.
  • يقلق على صحّة وسلامة الضحية النفسيّة والجسديّة.
  • قد يمنح الخاطف الضحيّة بعض الحقوق أو الحريّة.
السابق
ما علاج القلق والتوتر
التالي
اضطراب احادي القطب

اترك تعليقاً