صحة عامة

علاج مرض الغيرة

علاج مرض الغيرة

مرض الغيرة

تضمّ النفس البشرية الكثير من الأحاسيس والصفات التي تمرّ بالعديد من التقلّبات، مما يُصعّب من تحليلها، أو معرفة ما تريده أحيانًا، وينمو بعضٌ من هذه الصفات مع الإنسان منذ ولادته؛ كالحرص، والأنانيّة، وحب الذات، والغيرة، وهذه الأخيرة صفة طبيعيّة موجودة في أيّ إنسان سواء غيرته من غيره أو على غيره من أهله أو أحبائه، التي تتجه لمُنحيَين؛ إمّا الغيرة المعتدلة، التي تأتي في حدودها بما لا يُهدّد استقلاليّة الآخر، أو الغيرة المَرَضيّة التي تحوّل الفرد إلى شخص همّه المراقبة ومحاسبة الطرف الآخر، أو تضييق الخناق على حركاته وتصرفاته، مما يؤثّر بشدّة في العلاقات الاجتماعيّة.

ويجدر التّفريق بين الحسد والغيرة؛ فالأوّل تمنّي امتلاك أمر مُعيّن يمتلكه الفرد مع زواله عنه، أمّا الغيرة فهي الخوف من فقد شخص أو شيءٍ ما.

أمّا النوع المَرَضيّ منه معروف أيضًا باسم الغيرة الوهاميّة، وهي أحد الاضطرابات النفسيّة التي يصبح المصاب فيها دائم الانشغال بأفكار مريبة تتعلق بخيانة الطرف الآخر له، سواء الزوج، أو الزوجة، أو شريك العمل، أو صديق مُقرّب دون وجود أيّ دليل ملموس، وقد يُعبِّر عنها حتّى بتصرفات عنيفة، إذ إنّ وجود هذه الأوهام يزرَع في ذهنه اعتقادًا جازمًا وقويًّا بعدم جدارة الطرف الآخر بثقته، أو أنّه غير مُخلص على الإطلاق؛ لذا فإنّ الغيرة المرضيّة تُعدّ واحدة من اضطرابات الوهام التي قد يتزامن وجودها مع أمراض نفسيّة أخرى؛ كالشيزوفرينيا، واضطرابات الشخصيّة، التي تستلزم العلاج المُناسب للسيطرة عليها.

علاج مرض الغيرة

ربّما يبدو الأمر غريبًا عند طرحه، غير أنّ الغيرة المرضيّة حالة تتطلّب العلاج فعلًا؛ ذلك لارتباطها الوثيق بالعديد من التّصرّفات العنيفة والمؤذية نفسيًا وجسديًّا، إذ إنّ 55% من حالات قتل النساء أُجريت على يد شريك سابق أو حاليّ، وتدخل الغيرة في الكثير من ظروف هذه الحالات المُسبّبة لوقوع الجريمة فيها، لذا ليس من الغريب أنّها في الترتيب الثالث بين دوافع القتل الأكثر شيوعًا في العالم.

ومن أبرز الخطوات والطرق العلاجيّة المساهمة في التخفيف من الأعراض وعلاجها، التي تتضمّن تقنيات العلاج السلوكي المعرفيّ، وبعض العلاجات الدوائيّة، ما يأتي:

  • بمساعدة المُعالِج النفسيّ يُجرى تعلّم التقنيات الآتية:
    • التمييز بين مشاعر الغيرة الجيّدة ومشاعر الغيرة الهدّامة للعلاقات والروابط.
    • تحديد الأفكار والمعوّقات الذهنيّة التي يرتبط وجودها بشعور الفرد بالغيرة المرضيّة.
    • تعلّم طرق السيطرة على المشاعر.
    • استخدام تقنيات الوعي التّام للتعامل مع مشاعر الغيرة وقت الشّعور فيها.
    • تعلّم كيفيّة التركيز على ذات الشخص بدلًا من التركيز على أشخاص آخرين، ذلك بمساعدته في الشعور بثقة أكبر، ومزيد من الاستقلاليّة في علاقاته.
    • تحديد وجود أيّ تجارب أو علاقات سابقة تعرّض فيها الفرد للخيانة أو الغدر، التي قد تمثّل سبب شعوره بـعدم الثقة الشديدة تجاه الطرف الآخر، والتعامل مع تلك التجارب بمنزلة ماضٍ وحسب، ويجب عدم تطبيقها على العلاقات الاجتماعيّة كلها.
    • محاولة استخدام التخيّل بما يُدرّب المصاب على تبديل أفكاره وتفسيراته لتصرّفات الطرف الآخر، ذلك بمحاكاة بعض المواقف المُسبّبة للغيرة في وقت يبدو فيه المصاب مسترخيًّا ومرتاحًا للغاية، وترجمة هذا الموقف بأنّه أمر عاديّ لا يدعو إلى الشكّ أو الريبة.
    • تأكيد فكرة أنّ الخيانة أو التصرفات التي تدلّ على عدم الإخلاص من الطرف الآخر في حال حصولها فهي تدلّ على مشكلة عند الطرف الآخر، وليس عند المصاب نفسه أبدًا.
    • استخدام العلاج التحليلي المعرفيّ عبر الطبيب النفسيّ أو المُعالِج في التعامل والسيطرة على الوساوس المرتبطة بالغيرة المرضيّة، الذي وُجد أنّ له مفعول كبير عند اللجوء إليه في علاج المصابين، حسب ما أشارت إليه إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرت عام 2018.
  • الغيرة المرضية أحد الاضطرابات الوهاميّة، ففي بعض الحالات يُلجَأ لواحد أو أكثر من العقاقير والأدوية الآتية:
    • مُضادات الذّهان النمطيّة، التي تُغلق مستقبلات الدوبامين المسؤول عن الأفكار والمُعتقدات الوهميّة؛ ومن أمثلتها: الكلوروبرومازين، والهالوبيريدول، واللوكسابين.
    • مضادات الذّهان اللانمطيّة، التي تختلف عن الأولى في أنّ أعراضها الجانبيّة أقل، كما أنّها تُثبّط مستقبلات الدوبامين والسيروتونين معًا للسيطرة على الأعراض الوهاميّة؛ ومنها: الأريبيبرازول، والكلوزابين، والكويتيابين، والريسيبيريدون.
    • مضادات الاكتئاب والمُهدّئات التي تُستخدم في حال تزامن وجود أيّ أعراض أخرى لدى المصاب.
    • دواء البيموزيد، الذي وُجدَت له فاعليّة جيّدة في السيطرة على الأعراض الوهميّة المرتبطة بالغيرة المرضيّة، الذي يبدو ذا فاعليّة أيضًا في التعامل مع هذه الأعراض حتّى إن وُجدت لدى مصابين بأمراض أخرى.
  • العلاج بمساعدة العائلة، الذي يستوجب مساعدة العائلة والأصدقاء؛ لتخطّي أعراض المرض والسيطرة عليه قدر الإمكان.

أعراض مرض الغيرة

على عكس ما هو متعارف عليه بين الناس أنّ الغيرة المرضيّة شديدة الارتباط بالنساء، غير أنّها في الواقع أكثر انتشارًا لدى الرجال، خاصّة الأكبر عمرًا، إذ يُقدّر عمر الرجل حين تبدأ أعراض المرض بالظهور عليه بـ38 عامًا. وتتنوّع الأعراض وتختلف في شدّتها ونوعها ما بين المصابين، ويُذكر منها الآتي:

  • الإكثار من الأسئلة الاستجوابيّة للطرف الآخر، التي قد تبدو لوهلة أنّها تحقيق.
  • توجيه الاتهامات للطرف المقابل بالاهتمام بأشخاص آخرين وترك الاهتمام بالمصاب.
  • الاستياء من الطرف الآخر في حال عدم قدرته على تمضية الوقت مع المصاب.
  • الشعور بالغضب في حال وجود أيّ حال أو ظرف يتعارَض مع اهتمام الطرف الآخر بالمصاب.
  • الشعور بالحزن العارم، أو بابتعاد الطرف الآخر عند التفكير فيه، سواء أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء.
  • صعوبة تقبّل أيّ فرد جديد في حياة الطرف الآخر، وكره وجوده دون وجود أيّ تفسير منطقيّ لذلك.
  • القلق المفرط بشدّة تجاه من يتواصل معه عن طريق الهاتف، أو من يكتب له الرسائل.
  • تفتيش أغراض الطرف الآخر باستمرار.
  • محاولة عزله عن عائلته ومن حوله.
  • تهديده بإيذائه في حال وجود أيّ شيء يثبت الشكوك فيه.
  • تهديد المصاب بأذيّة نفسه، الذي يظهر بمنزلة تصرفات انتحاريّة.
  • الخوف المُفرط والوسوسة من أنّ الطرف الآخر سيُنهي العلاقة التي تربطه بالمصاب.
  • إلقاء اللوم على الطرف الآخر بأنّه سبب المشاكل جميعها الحاصلة ما بينها، رغم أنّ الكثير منها بسبب المُصاب.

أسباب مرض الغيرة

يرتبط وجود مرض الغيرة بالعديد من الأمراض والاضطرابات العقليّة النفسيّة، ويُمكن القول إنّه مُؤشّر إلى وجودها في العديد من الحالات، إذ يُعدّ عارضًا وليس مرضًا بحدّ ذاته، لذا يُلاحظ وجود أحد الاضطرابات الآتية عند المصاب:

  • اضطرابات القلق.
  • الشيزوفرينيا أو الفصام.
  • بعض الأمراض والإصابات في الدماغ؛ كمرض الشلل الرّعاشيّ، وداء هنتنغتون.
  • الإدمان، أو الإفراط في تناول المشروبات الكحوليّة، حيث المرض مرتبط بشدّة بذُهان الكحوليات.
  • اضطرابات الشخصيّة، خاصّة جنون الارتياب، أو اضطراب الشخصيّة الحدّي، أو النرجسيّة، أو اضطراب الشخصيّة المُعادية للمجتمع.
السابق
اعراض وسواس الموت الجسدية
التالي
أساليب العلاج المعرفي السلوكي

اترك تعليقاً