صحة المسنين

طب الشيخوخة بين التطور والحاجة

طب الشيخوخة

طب الشيخوخة بين التطور والحاجة

الشيخوخة مرحلة من مراحل الحياة التي لابد وأن يمر بها كل إنسان، فهي مرحلة حتمية من حيث إنها مرحلة متممة لدورة الحياة، وهي المرحلة من عمر الإنسان، ومن ثم لابد من الاستعداد لها ومواجهتها بحيث نعيش هذه المرحلة من العمر ونقضي سنواتها مثلما نعيش ونقضي سنوات أية مرحلة من مراحل حياتنا، مع قدر من الفارق في طبيعة ما نمارسه من نشاطات، ويجب علينا أن نتفهم طبيعة هذه المرحلة وأن نتهيأ للدخول فيها ونحن نتمتع بأقصى قدر من الكفاية الصحية البدنية والنفسية والعقلية.

يعرف طب الشيخوخة   Geriatrics على انه العلم الذي يعني في المظاهر السريرية, العلاجية , الوقائية و الاجتماعية المتصلة بالشيخوخة. اما علم الشيخوخة Gerontology  فهو فرع العلوم الذي يعني بدراسة تقدم السن من الناحية البيولوجية و السيكلوجية والاجتماعية , كذلك تفاعلها مع محيطها , الا ان العلمين لا ينفصلان من الناحية العملية.

على مر العصور كانت الشيخوخة محط احكام  مختلفة  وحتى متناقضة في بعض الحالات . يحكى  في بعض المؤلفات  الدينية القديمة عن اباطرة عاشو لاكثر من مئة عام , وكان يشهد لهم بالحكمة و العلم, و كانو مبجلين من قبل الناس.

وعلى النقيض من ذلك فان سيسيرون Ciceron (احد فلاسفة الرومان) صور المسن على انه شخص ممل , فاقد للمرح, كثير التململ , متقلب المزاج و عصبي, و اوضح اربعة اسباب حتى تكون الشيخوخة  فترة تعيسة :

-الابتعاد عن النشاط اليدوي

-ضعف البنية البدنية

-الحرمان من المتعة الجسدية

-القرب من الموت.

و ربما تكون اقسى الصور تلك التي صدرت من  جوفينيل  في كتاب الهجاء Juvenal (شاعر لاتيني من القرن الثاني م), حيث تحامل على المسنين, وانتقد اولئك الذين يطلبون من الالهة طول العمر, وقال ان الشيخوخة مرحلة قبيحية في حياة الانسان حيث  الضعف  الجسدي وغياب القدرة الذهنية و فقدان الذاكرة  .

 وعلى العكس من حضارات اخرى كالصينية و حضارة الهنود الحمر , حيث  يعامل المسنون بكل وقار واحترام, و حيث انهم الاطباء و العرافون وهم اساس الترابط الاجتماعي بين اعضاء القبيلة او القرية.

 اما في مجتمعاتنا الشرقية فان مكانة المسنين كانت وما زالت في معظم الاحيان تحضى بالكثير من الاحترام و التقدير و المركز الاجتماعي الرفيع, وعزز الاسلام من هذه الصورة حيث دعا الى البر بالوالدين و احترام الكبير والى احاطة المسنين بالرعاية التي تخفف عنهم اعباء الشيخوخة.

 كانت الشيخوخة منذ مئات السنين مادة للدراسة من قبل الباحثين, فقد تعمق فريمان Freeman في وصف هذه المرحلة العمرية خلال الخمسة الاف سنة الماضية.

 اما روجر باكونRoger Bacon  فقد كتب في عام 1236 احد اقدم الدراسات المتعلقة بالشيخوخة  تحت عنوان علاج الشيخوخة و المحافظة على الشباب.

 عندما قام ادولف كيتليت Adolf Quetelet والذي يعد اول علماء الشيخوخة الحديثة, بتطوير الدراسات المختلفة حول تطور الجنس البشري , احدث ثورة علمية في ذلك الوقت في علم الشيخوخة.

 في عام 1834 و في خضم الثورة الصناعية , نشأت في بريطانيا الحاجة الى  مجموعات من الاشخاص القادرين على التعامل مع اعداد من المسنين سواء الاصحاء منهم او المرضى و حتى اولئك الذين تردت قواهم العقلية , و من هنا جاءت فكرة انشاء دور المسنين . 

 في عام 1903 اقترح ميشينكوف  Meshenkoffعلم الشيخوخة كقاعدة لدراسة التقدم في السن , وفي عام 1909 انشأ طبيب الامراض الباطنية اجناتس لوين ناشرEgnats Loin Nasher  اول قسم لامراض الشيخوخة في الولايات المتحدة.

 وفي عام 1914 اعتمد ادواردو ستوغليتس Edwardo Stogletz  علم الشيخوخة الاجتماعي كقاعدة لدراسة المسن ككائن  اجتماعي من خلال علاقته بمحيطه الاجتماعي.

في عام 1935 بدأ ماجوري وارين  Majory Warrenالتعامل مع طب الشيخوخة كعلم متكامل واضعا له هذه الاسس :

-التعامل مع الشيخوخة كمرض

-ضرورة الوصول للتشخيص الصحيح

-ان الكثير من امراض الشيخوخة يمكن علاجها

-ان الراحة الغير مبررة يمكن ان تكون خطيرة

 في عام 1946 و في المملكة المتحدة  تم انشاء  تخصص ما سمي الخدمة الصحية الوطنية  على الرغم من الكثير من الانتقادات و السخرية التي تعرضت له من قبل غالبية المجتمع الطبي انذاك. و في عام 1950 تم انشاء الجمعية الدولية لطب الشيخوخة.

 في عام 1982 وتحت اشراف منظمة الصحة العالمية  افتتح  في فيينا الندوة العالمية  للشيخوخة.

 لعب التمريض دورا رئيسيا في العناية الطبية للمسنين,ففي عام 1904 تم نشر اول دراسة حول العناية بالمسنين في  المجلة الامريكية للتمريض American Journal of Nursing . وفي عام 1961 اوصت الجمعية الامركية للتمريض بتكوين اعداد من الممرضات  متخصصات بالعناية بالمسنين, و في عام 1969 تم وضع القواعد الاساسية لتمريض الشيخوخة.

 في عام 1975 تم تخريج اول فوج من الممرضات المتخصصات, و في  نفس العام تم نشر العدد الاول من مجلة التمريض في الشيخوخة JOURNAL OF GERONTOLOGYCAL NURSING

من هو المسن

و بحسب منظمة الصحة العالمية يعرف المسن على انه  كل شخص يتخطى الستين من العمر , و هم مقسمون الى اربعة اجيال :

-الجيل الثالث –  60-74عام

-الجيل الرابع-  75-89عام

-المعمرون –    90-99عام

-المئويون  –   فوق المئة عام

ما الحاجة لطب الشيخوخة

تعد رعاية المسنين مجزية، حيث إن أي تحسين في الحالة الصحية لكبار السن ولو كان حجمه صغيراً يمكن أن يكون له تأثير هائل على نوعية حياتهم، وكذلك على عائلاتهم ومقدمي الرعاية الآخرين.

ينظر أطباء الشيخوخة في العديد من جوانب حياة المريض، بما في ذلك تقييم قدرة الشخص على أداء أنشطة الحياة اليومية، والدعم الاجتماعي المتاح للمريض، وظروف معيشته ومجتمعه، والاهتمام بجميع الظروف الصحية الشائعة لدى هذه الفئة العمرية والتي تشمل:

  • فقدان السمع.
  • إعتام عدسة العين والأخطاء الانكسارية.
  • آلام الظهر والرقبة وهشاشة العظام.
  • مرض الانسداد الرئوي المزمن.
  • مرض السكري.
  • الاكتئاب.
  • الخرف.
  • الحالات الصحية المعقدة التي تميل إلى الحدوث فقط في وقت لاحق من الحياة والتي لا تندرج ضمن فئات الأمراض المنفصلة. وتسمى هذه عادة بمتلازمات الشيخوخة. غالبًا ما تكون نتيجة للعوامل الأساسية المتعددة وتشمل الهشاشة، السلس البولي، السقوط، الهذيان، قرحة الفراش.
    والجدير الذكر أن متلازمات الشيخوخة قد تنبئ بحدوث الوفاة بشكل أفضل من تنبؤ الوفاة بسبب وجود أمراض محددة أو لكثرة عدد الأمراض المصاب بها.

مجالات طب الشيخوخة؟

كمسار مهني، فإن طب الشيخوخة يمتاز بتنوع كبير في مجالات عمله، فمثلاً:

    • يمكن للاختصاصي في طب الشيخوخة (بالإنجليزية: Geriatrician) أن يمارس مهنته في العديد من البيئات المختلفة كالمراكز الطبية الأكاديمية، والمستشفيات العامة، والعيادات الخاصة، والمراكز الصحية الريفية. أيضاً قد يقومون بالإشراف على المرضى في منازلهم الخاصة أو في مرافق الرعاية الطويلة الأجل كدور رعاية المسنين و دور العجزة.
    • قد يقضي أطباء الشيخوخة وقتًا إضافيًا في التدريب ليصبحوا معلمين أو باحثين خبراء. ففي هذا المجال يهتم أطباء الشيخوخة بعملهم ويجعلون أنفسهم متاحين بسهولة للمتدربين المهتمين بمعرفة المزيد عن رعاية كبار السن، ويقوم بتوفير الموارد والإرشاد الكافية لنجاح المتدربين في المستقبل.
    • قد يعمل أطباء الشيخوخة عن كثب مع فرق متعددة التخصصات، حيث غالبًا ما يكون أعضاء الفريق من المهنيين الصحيين الذين لديهم أيضًا تدريب متخصص في مجال رعاية كبار السن، بما في ذلك الممرضات والأخصائيين الاجتماعيين وأخصائيي التغذية والمعالجين الفيزيائيين والمعالجين المهنيين والصيادلة الاستشاريين.

تنامي أعداد المسنين في العالم

ترجع زيادة الاعداد المتنامية للمسنين في العالم لاسباب عدة, اهمها:

– تراجع اعداد وفيات الاطفال

– زيادة اعداد الولادات

– التقدم العلمي والتطور التكنولوجي

– انحسار الامراض الوبائية و المعدية.

 لكل ما تقدم فان الانسانية مقبلة على معضلة حقيقية, وهي شيوخ المجتمعات, مما يقود بالضرورة الى البحث عن طرق علاجية وادوية جديدة, و كذلك عن مفاهيم اجتماعية و اقتصادية متجددة, و هذا يعني سياسات وطنية جديدة.

 قدرت اعداد المسنين في العالم في مطلع الالفية الثالثة حوالي 600 مليون نسمة, وتقدر حاليا باكثر من 800 مليونا, ويرجح ان تصل عام 2025 الى اكثر من 1200 مليون نسمة, النسبة الاعلى منهم في الدول المتقدمة.

 ان الزيادة المضطردة لعدد السكان يؤدي الى ارتفاع الانفاق الحكومي, هذا بجانب أن هجرة الشباب من الريف الى المدن الكبرى تضعف النسيج الاجتماعي و القدرة العائلية في مواجهة الصعاب, و هذا يؤثر في الدرجة الاولى على المسنين , حيث ان العائلة هي السند الرئيس لكبار السن, و هذا بالطبع يزيد من اعباء مؤسسات الدولة و المؤسسات المدنية و المنظمات الاجتماعية.

 ان اثر ما تقدم سيكون واضحا على النظام الصحي, حيث ان المسنين هم الشريحة الاكثر استهلاكا للادوية و المواد الطبية و الخدمات الصحية المختلفة .

 تزيد المشكلة صعوبة في دول العالم الثالث و ذلك لشح الموارد و القدرة على توزيع الموارد التقنية و الانسانية, حيث ان العائلة ليس لديها القدرة على تأمين الاحتياجات اللازمة للعناية بالمسنين اذا لم تقدم لها المساعدة من قبل المؤسسات الحكومية و الاهلية الاخرى.

 ان تغير التركيبة الاجتماعية , مع الانتقال من العائلات الكبيرة الى اسر صغيرة , ساهم بشكل سلبي في وظيفة االمسنين و الكثير منهم بدأ يفقد موقعه في الوسط العائلي, مما يزيد من اعداد المسنين الذين يعيشون معزولين او مهمشين.

 على سبيل المثال 2%من الكوريين و الفلبينيين فوق الستين يعيشون بلا مرافق, ترتفع هذه النسبة  بصورة ملحوظة في الولايات المتحدة, حيث يعيش 30% من المسنين بدون مرافق, اما في المملكة المتحدة فان هذه النسبة تتضاعف خاصة بين النساء المسنات. وعلى العكس من ذلك فان هذه النسبة في المناطق الريفية تكاد تتلاشى, حيث ان المسنين لا يزالوا يعيشون ضمن النسيج العائلي و الكثير منهم يساعد في الاعمال الزراعية المختلفة.

 ان التقدم في السن يكشف عن الكثير من السلبيات حتى ان البعض يقف حائرا في تصنيف ذلك كميزة ايجابية ام سلبية .

ان دعم المسنين يشكل معضلة اجتماعية, اقتصادية و اخلاقية, و لتجاوز ذلك يحتاج الى ارادة سياسية حقيقية.

 ان تقديم الدعم للمسنين يشكل حجر الزاوية في قدرة الدول سواء المتطورة منها او النامية في سبيل مستقبل افضل.

 

في النهاية نستلهم قول الفيلسوف الصيني  لين جان نتاغ Lin Jan Ntag: لا يمكن وقف التقدم في السن , كما انه لا فائدة من محاربة الطبيعة, على الاقل يمكننا ان نشيخ بكرامة و سماحة, ان سيمفونية الحياة يجب ان تنتهي بسلام و هدوء, رفاه مادي و روحاني,  و ليس بقرع الطبول المكسورة و الصنوج المعوجة. ان التعايش مع الشيخوخة هو اسمى اعمال المعرفة و الفصل الاكثر صعوبة من فصول فن العيش

السابق
صوم المُسنين في رمضان
التالي
الحمل خارج الرحم (الحمل الانبوبي)

اترك تعليقاً